الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الشرح: قوله (باب بيعة الصغير) أي هل تشرع أو لا؟ قال ابن المنير: الترجمة موهمة، والحديث يزيل إيهامها، فهو دال على عدم انعقاد بيعة الصغير ذكر فيه حديث عبد الله بن هشام التيمي، وهو طرف من حديث تقدم بكماله في " كتاب الشركة " من رواية عبد الله بن وهب عن سعيد بن أبي أيوب، وفيه فقالت يا رسول الله بايعه، فقال: " هو صغير فمسح رأسه ودعا له". الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ وَكَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ الشرح: قوله (وكان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله) هو عبد الله بن هشام المذكور، وهذا الأثر الموقوف صحيح بالسند المذكور إلى عبد الله، وقد تقدم الحكم المذكور في " باب الأضحية عن المسافر والنساء " والنقل عمن قال " لا يجزئ أضحية الرجل عن نفسه وعن أهل بيته " وإنما ذكره البخاري مع أن من عادته أنه يحذف الموقوفات غالبا، لأن المتن قصير، وفيه إشارة إلى أن عبد الله بن هشام عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمانا ببركة دعائه له وقد تقدم ما يتعلق به من ذلك في " كتاب الدعوات". *3* الشرح: قوله (باب من بايع ثم استقال البيعة) ذكر فيه حديث جابر في قصة الأعرابي، وقد تقدم شرحه قبل بباب *3* الشرح: قوله (باب من بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا) أي ولا يقصد طاعة الله في مبايعة من يستحق الإمامة. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَفِ لَهُ وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا الشرح: قوله (عن أبي حمزة) بالمهملة والزاي هو محمد بن ميمون السكري. قوله (عن أبي صالح) في رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش " سمعت أبا صالح يقول سمعت أبا هريرة كما تقدم في " كتاب الشرب". قوله (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) زاد جرير عن الأعمش " ولا ينظر إليهم " وسقط من روايته " يوم القيامة " وقد مر في الشهادات وفي رواية عبد الواحد " لا ينظر الله إليهم يوم القيامة " وسقط من روايته ولا يكلمهم وثبت الجميع لأبي معاوية عن الأعمش عند مسلم على وفق الآية التي في آل عمران. وقال: في آخر الحديث. ثم قرأ هذه الآية قوله (رجل على فضل ماء بالطريق يمنع منه ابن السبيل) في رواية عبد الواحد " رجل كان له فضل ماء منعه من ابن السبيل " والمقصود واحد وإن تغاير المفهومان لتلازمهما لأنه إذا منعه من الماء فقد منع الماء منه، وقد تقدم الكلام عليه في " كتاب الشرب " ووقع في رواية أبي معاوية " بالفلاة " وهي المراد بالطريق في هذه الرواية. وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي صالح في الشرب أيضا. ورجل منع فضل ماء فيقول الله تعالى له " اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك " وقد تقدم الكلام عليه في الشرب أيضا، وتقدم شيء من فوائده في " كتاب ترك الحيل". قوله (ورجل بايع إماما) في رواية عبد الواحد " إمامه". قوله (إن أعطاه ما يريد وفى له) في رواية عبد الواحد " رضا". قوله (وإلا لم يف له) في رواية عبد الواحد " سخط". قوله (ورجل بايع رجلا) في رواية المستملي والسرخسي " يبايع " بصيغة المضارعة. وفي رواية عبد الواحد " أقام سلعة بعد العصر " وفي رواية جرير " ورجل ساوم رجلا سلعة بعد العصر". قوله (فحلف بالله) في رواية عبد الواحد فقال: والله الذي لا إله غيره. قوله (لقد أعطى بها كذا وكذا) وقع مضبوطا بضم الهمزة وكسر الطاء على البناء للمجهول، وكذا قوله في آخر الحديث " ولم يعط " بضم أوله وفتح الطاء، وفي بعضها بفتح الهمزة والطاء على البناء للفاعل والضمير للحالف وهي أرجح، ووقع في رواية عبد الواحد بلفظ " لقد أعطيت بها " وفي رواية أبي معاوية؛ فحلف له بالله " لأخذها بكذا " أي لقد أخذها. وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي صالح " لقد أعطى بها أكثر مما أعطى " وضبط بفتح الهمزة والطاء، وفي بعضها بضم أوله كسر الطاء، والأول أرجح. قوله (فصدقه وأخذها) أي المشترى (ولم يعط بها) أي القدر الذي حلف أنه أعطى عوضها. وفي رواية أبي معاوية " فصدقه " وهو على غير ذلك. تنبيهان: أحدهما خالف الأعمش في سياق هذا المتن عمرو بن دينار عن أبي صالح فمضى في الشرب ويأتي في التوحيد من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة نحو صدر حديث الباب وقال فيه " ورجل على سلعة " الحديث " ورجل منع فضل ماء " الحديث " ورجل حارثه على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم " قال الكرماني ذكر عوض الرجل الثاني وهو المبايع للإمام آخر، وهو الحالف ليقتطع مال المسلم وليس ذلك باختلاف، لأن التخصيص بعدد لا نفي ما زاد عليه انتهى، ويحتمل أن يكون كل من الراويين حفظ ما لم يحفظ الآخر، لأن المجتمع من الحديثين أربع خصال، وكل من الحديثين مصدر بثلاثة، فكأنه كان في الأصل أربعة، فاقتصر كل من الراويين على واحد ضمه مع الاثنين اللذين توافقا عليهما فصار في رواية كل منهما ثلاثة، ويؤيده ما سيأتي في التنبيه الثاني. ثانيهما: أخرج مسلم هذا الحديث من رواية الأعمش أيضا لكن عن شيخ له آخر بسياق آخر، فذكر من طريق أبي معاوية ووكيع جميعا عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة كصدر حديث الباب، لكن قال: " شيخ زان وملك كذاب وعائل مستكبر " والظاهر أن هذا حديث آخر أخرجه من هذا الوجه عن الأعمش فقال عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره " وليس هذا الاختلاف على الأعمش فيه بقادح، لأنها ثلاثة أحاديث عنده بثلاثة طرق، ويجتمع من مجموع هذه الأحاديث تسع خصال ويحتمل أن تبلغ عشرا، لأن المنفق سلعته بالحلف الكاذب، مغاير للذي حلف لقد أعطى بها كذا، لأن هذا خاص بمن يكذب في أخبار الشراء، والذي قبله أعم منه فتكون خصلة أخرى، قال النووي قيل معنى " لا يكلمهم الله " تكليم من رضا عنه بإظهار الرضا بل بكلام يدل على السخط، وقيل المراد أنه يعرض عنهم، وقيل لا يكلمهم كلاما يسرهم، وقيل لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ومعنى لا ينظر إليهم: يعرض عنهم، ومعنى نظره لعباده: رحمته لهم ولطفه بهم، ومعنى لا يزكيهم: لا يطهرهم من الذنوب وقيل لا يثني عليهم، والمراد بابن السبيل: المسافر المحتاج إلى الماء، لكن يستثنى منه الحربي والمرتد إذا أصرا على الكفر، فلا يجب بذل الماء لهما، وخص بعد العصر بالحلف لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار وغير ذلك، وأما الذي بايع الإمام بالصفة المذكورة فاستحقاقه هذا الوعيد لكونه غش إمام المسلمين؛ ومن لازم غش الإمام غش الرعية لما فيه من التسبب إلى إثارة الفتنة، ولا سيما إن كان ممن يتبع على ذلك، انتهى ملخصا. وقال الخطابي: خص وقت العصر بتعظيم الإثم فيه، وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت، لأن الله عظم شأن هذا الوقت بأن جعل الملائكة تجتمع فيه وهو وقت ختام الأعمال، والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها تجرؤا، فإن من تجرأ عليها فيه اعتادها في غيره، وكان السلف يحلفون بعد العصر؛ وجاء ذلك في الحديث أيضا، وفي الحديث وعيد شديد في نكث البيعة، والخروج على الإمام لما في ذلك من تفرق الكلمة، ولما في الوفاء من تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء، والأصل في مبايعة الإمام أن يبايعه على أن يعمل بالحق ويقيم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فمن جعل مبايعته لمال يعطاه دون ملاحظة المقصود في الأصل فقد خسر خسرانا مبينا ودخل في الوعيد المذكور وحاق به إن لم يتجاوز الله عنه، وفيه أن كل عمل لا يقصد به وجه الله وأريد به عرض الدنيا فهو فاسد وصاحبه آثم، والله الموفق. رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (باب بيعة النساء) ذكر فيه الله أربعة أحاديث، الأول: قوله (رواه ابن عباس) كأنه يريد ما تقدم في العيدين من طريق الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس شهدت الفطر فذكر الحديث وفيه خرج النبي صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس بيده، ثم أقبل يشقهم حتى جاء النساء معه بلال فقال: الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسٍ تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ الشرح: حديث عبادة ابن الصامت في مبايعتهم النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ما في هذه الآية، وقد تقدم الكلام عليه في " كتاب الأيمان " أوائل الكتاب ووقع في بعض، طرقه عن عبادة قال " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني " الحديث أخرجه مسلم من طريق الأشعث الصنعاني عن عبادة وإلى هذه الطريق أشار في هذه الترجمة قال ابن المنير أدخل حديث عبادة في ترجمة بيعة النساء لأنها وردت في القرآن في حق النساء فعرفت بهن، ثم استعملت في الرجال. الحديث: حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا قَالَتْ وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا الشرح: حديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية " جاءت فاطمة بنت عتبة - أي ابن ربيع بن عبد شمس أخت هند بنت عقبة - تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عليها أن لا تزني، فوضعت يدها على رأسها حياء، فقالت لها عائشة: بايعي أيتها المرأة، فوالله ما بايعناه إلا على هذا قالت: فنعم إذا " وقد تقدمت فوائد هذا الحديث في تفسير سورة الممتحنة وفي أول هذا الحديث هناك زيادة غير الزيادة التي ذكرتها هنا من عند البزار. قوله (قالت وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها) هذا القدر أفرده النسائي فأخرجه عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق بسند حديث الباب بلفظ لكن ما مس وقال: يد امرأة قط، وكذا أفرده مالك عن الزهري بلفظ، ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط، إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال: اذهبي فقد بايعتك أخرجه مسلم قال النووي: هذا الاستثناء منقطع وتقدير الكلام ما مس يد امرأة قط ولكن يأخذ عليها البيعة. ثم يقول لها اذهبي إلخ. قال: وهذا التقدير مصرح به في الرواية الأخرى فلا بد منه انتهى. وقد ذكرت في تفسير الممتحنة من خالف ظاهر ما قالت عائشة، من اقتصاره في مبايعته صلى الله عليه وسلم النساء على الكلام؛ وما ورد أنه بايعهن بحائل أن بواسطة بما يغني عن إعادته، ويعكر على ما جزم به من التقدير، وقد يؤخذ من قول أم عطية في الحديث الذي بعده فقبضت امرأة يدها، أن بيعة النساء كانت أيضا بالأيدي فتخالف ما نقل عن عائشة من هذا الحصر، وأجيب بما ذكر من الحائل، ويحتمل أنهن كن يشرن بأيديهن عند المبايعة بلا مماسة، وقد أخرج إسحاق بن راهويه بسند حسن عن أسماء بنت يزيد مرفوعا إني لا أصافح النساء وفي الحديث أن كلام الأجنبية مباح سماعه وأن صوتها ليس بعورة، ومنع لمس بشرة الأجنبية من غير ضرورة لذلك. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ بَايَعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْنَا أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَنَهَانَا عَنْ النِّيَاحَةِ فَقَبَضَتْ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا فَقَالَتْ فُلَانَةُ أَسْعَدَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَذَهَبَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ فَمَا وَفَتْ امْرَأَةٌ إِلَّا أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ الْعَلَاءِ وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ أَوْ ابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ الشرح: قوله (عن أيوب) هو السختياني و (حفصة) هي بنت سيرين أخت محمد والسند كله بصريون، وتقدم شرح حديث أم عطية هذا في " كتاب الجنائز " مستوفى، وفيه تسمية النسوة المذكورات في هذا الحديث، وتقدم ما يتعلق بالكلام على قولها أسعدتني في تفسير سورة الممتحنة. وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا الشرح: قوله (باب من نكث بيعة) في رواية الكشميهني " بيعته " بزيادة الضمير. قوله (وقال الله تعالى) في رواية غير أبي ذر " وقوله تعالى". قوله (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله الآية) ساق في رواية أبي ذر إلى قوله " فإنما ينكث على نفسه " ثم قال إلى قوله فسيؤتيه أجرا عظيما، وساق في رواية كريمة الآية كلها الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَايِعْنِي عَلَى الْإِسْلَامِ فَبَايَعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدَ مَحْمُومًا فَقَالَ أَقِلْنِي فَأَبَى فَلَمَّا وَلَّى قَالَ الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا الشرح: حديث جابر في قصة الأعرابي وقد تقدمت الإشارة إليه قريبا في " باب بيعة الأعرابي " وورد في الوعيد على نكث البيعة حديث ابن عمر " لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله. ثم ينصب له القتال " وقد تقدم في أواخر " كتاب الفتن " وجاء نحوه عنه مرفوعا بلفظ " من أعطى بيعة ثم نكثها لقي الله وليست معه يمينه " أخرجه الطبراني بسند جيد وفيه حديث أبي هريرة رفعه " الصلاة كفارة إلا من ثلاث: الشرك بالله ونكث الصفقة " الحديث. وفيه تفسير نكث الصفقة " أن تعطي رجلا بيعتك ثم تقاتله " أخرجه أحمد. الشرح: قوله (باب الاستخلاف) أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدا، ذكر فيه خمسة أحاديث: الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَارَأْسَاهْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَاثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلَلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ ثُمَّ قُلْتُ يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ الشرح: ا قوله (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري والسند كله مدنيون، وقد تقدم ما يتعلق بالسند في " كتاب كفارة المرض " وتقدم الكثير من فوائد المتن هناك. قوله (فاعهد) أي أعين القائم بالأمر بعدي، هذا هو الذي فهمه البخاري فترجم به وإن كان العهد أعم من ذلك، لكن وقع في رواية عروة عن عائشة بلفظ " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا وقال في آخر ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وفي رواية لمسلم " أدعي لي أبا بكر أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر " وفي رواية للبزار " معاذ الله أن تختلف الناس على أبي بكر " فهذا يرشد إلى أن المراد الخلافة، وأفرط المهلب فقال: فيه دليل قاطع في خلافة أبي بكر، والعجب أنه قرر بعد ذلك أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قِيلَ لِعُمَرَ أَلَا تَسْتَخْلِفُ قَالَ إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ رَاغِبٌ رَاهِبٌ وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ لَا أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا الشرح: قوله (سفيان) هو الثوري " ومحمد بن يوسف " الراوي عنه هو الفريابي. قوله (قيل لعمر ألا تستخلف) في رواية مسلم من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر " حضرت أبي حين أصيب قالوا استخلف " وأورد من وجه آخر أن قائل ذلك هو ابن عمر راوي الحديث، أخرجه من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه " أن حفصة قالت له: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قال: فحلفت أن أكلمه في ذلك " فذكر القصة وأنه قال له: " لو كان لك راعي غنم ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع، فرعاية الناس أشد " وفيه قول عمر في جواب ذلك " إن الله يحفظ دينه". قوله (إن أستخلف إلخ) في رواية سالم " إن لا أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف، وإن استخلف فإن أبا بكر قد استخلف " قال عبد الله " فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف " وأخرج ابن سعد من طريق عبد الله بن عبيد الله وأظنه ابن عمير قال: قال أناس لعمر ألا تعهد؟ قال: أي ذلك آخذ فقد تبين لي أن الفعل والترك وهو مشكل ويزيله أن دليل الترك من فعله صلى الله عليه وسلم واضح، ودليل الفعل يؤخذ من عزمه الذي حكته عائشة في الحديث الذي قبله. وهو لا يعزم إلا على جائز، فكأن عمر قال: إن أستخلف فقد عزم صلى الله عليه وسلم على الاستخلاف فدل على جوازه وإن أترك فقد ترك فدل على جوازه، وفهم أبو بكر من عزمه الجواز فاستعمله، واتفق الناس على قبوله، قاله ابن المنير. قلت: والذي يظهر أن عمر رجح عنده الترك، لأنه الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم بخلاف العزم وهو يشبه عزمه صلى الله عليه وسلم على التمتع في الحج، وفعله الأفراد فرجح الأفراد. قوله (فأثنوا عليه قال راغب وراهب) قال ابن بطال: يحتمل أمرين أحدهما أن الذين أثنوا عليه إما راغب في حسن رأيي فيه وتقربي له، وإما راهب من إظهار ما يضمره من كراهته، أو المعنى راغب فيما عندي وراهب مني، أو المراد الناس راغب في الخلافة وراهب منها، فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يعان عليها، وإن وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها. وذكر القاضي عياض توجيها آخر: إنهما وصفان لعمر أي راغب فيما عند الله، راهب من عقابه، فلا أعول على ثنائكم وذلك يشغلني عن العناية بالاستخلاف عليكم. قوله (وددت أني نجوت منها) أي من الخلافة (كفافا) بفتح الكاف وتخفيف الفاء أي مكفوفا عني شرها وخيرها. وقد فسره في الحديث بقوله " لا لي ولا علي " وقد تقدم نحو هذا من قول عمر في مناقبه في مراجعته لأبي موسى فيما عملوه بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أبي أسامة " لوددت لو أن حظي منها الكفاف". قوله (لا أتحملها حيا وميتا) في رواية أبي أسامة " أتحمل أمركم حيا وميتا " وهو استفهام إنكار حذفت منه أداته، وقد بين عذره في ذلك لكنه لما أثر فيه قول عبد الله بن عمر حيث مثل له أمر الناس بالغنم مع الراعي خص الأمر بالستة وأمرهم أن يختاروا منهم واحدا، وإنما خص الستة لأنه اجتمع في كل واحد منهم أمران كونه معدودا في أهل بدر، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، وقد صرح بالثاني الحديث الماضي في مناقب عثمان، وأما الأول فأخرجه ابن سعد من طريق عبد الرحمن ابن أبزى عن عمر قال هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أحد. ثم في كذا، وليس فيها لطليق ولا لمسلمة الفتح شيء. وهذا مصير منه إلى اعتبار تقديم الأفضل في الخلافة، قال ابن بطال ما حاصله " أن عمر سلك في هذا الأمر مسلكا متوسطا خشية الفتنة " فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين، فجعل الأمر معقودا موقوفا على الستة لئلا يترك الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فأخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم طرفا وهو ترك التعيين، ومن فعل أبي بكر طرفا وهو العقد لأحد الستة وإن لم ينص عليه انتهى ملخصا. قال: وفي هذه القصة دليل على جواز عقد الخلافة من الإمام المتولي لغيره بعده، وأن أمره في ذلك جائز على عامة المسلمين لإطباق الصحابة ومن معهم على العمل بما عهده أبو بكر لعمر، وكذا لم يختلفوا في قبول عهد عمر إلى الستة، قال: وهو شبيه بإيصاء الرجل على ولده لكون نظره فيما يصلح أتم من غيره فكذلك الإمام، انتهى. وفيه رد على من جزم كالطبري، وقبله بكر بن أخت عبد الواحد وبعده ابن حزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر قال: ووجهه جزم عمر بأنه لم يستخلف، لكن تمسك من خالفه بإطباق الناس على تسمية أبي بكر خليفة رسول الله، واحتج الطبري أيضا بما أخرجه بسند صحيح من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم " رأيت عمر يجلس الناس ويقول اسمعوا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم". قلت: ونظيره ما في الحديث الخامس من قول أبي بكر " حتى يرى الله خليفة نبيه " ورد بأن الصيغة يحتمل أن تكون من مفعول ومن فاعل فلا حجة فيها، ويترجح كونها من فاعل جزم عمر بأنه لم يستخلف وموافقة ابن عمر له على ذلك، فعلى هذا فمعنى " خليفة رسول الله " الذي خلفه فقام بالأمر بعده فسمي خليفة رسول الله لذلك وأن عمر أطلق على أبي بكر خليفة رسول الله بمعنى أنه أشار إلى ذلك بما تضمنه حديث الباب، وغيره من الأدلة وإن لم يكن في شيء منها تصريح لكن مجموعها يؤخذ منه ذلك، فليس في ذلك خلاف لما روى ابن عمر عن عمر، وكذا في رد على من زعم من الراوندية أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على العباس وعلى قول الروافض كلها أنه نص على علي. ووجه الرد عليهم إطباق الصحابة على متابعة أبي بكر ثم على طاعته في مبايعة عمر، ثم على العمل بعهد عمر في الشورى، ولم يدع العباس ولا علي أنه صلى الله عليه وسلم عهد له بالخلافة. وقال النووي وغيره: أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف، وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره، وعلى جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين عدد محصور أو غيره، وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة، وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل، وخالف بعضهم كالأصم وبعض الخوارج فقالوا: يجب نصب الخليفة. وخالف بعض المعتزلة فقالوا: يجب بالعقل لا بالشرع، وهما باطلان. أما الأصم فاحتج ببقاء الصحابة بلا خليفة مدة التشاور أيام السقيفة وأيام الشورى بعد موت عمر، ولا حجة له في ذلك لأنهم لم يطبقوا على الترك بل كانوا ساعين في نصب الخليفة، آخذين في النظر فيمن يستحق عقدها له، ويكفي في الرد على الأصم أنه محجوج بإجماع من قبله، وأما القول الآخر ففساده ظاهر لأن العقل لا مدخل له في الإيجاب والتحريم ولا التحسين والتقبيح وإنما يقع ذلك بحسب العادة انتهى، وفي قول المذكور مدة التشاور أيام السقيفة خدش يظهر من الحديث الذي بعده، وأنهم بايعوا أبا بكر في أول يوم لتصريحه فيه بأن عمر خطب الغد من يوم توفى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر فقال " فقوموا فبايعوه " وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة فلم يكن بين الوفاة النبوية وعقد الخلافة لأبي بكر إلا دون اليوم والليلة، وقد تقدم إيضاح ذلك في مناقب أبي بكر رضي الله عنه. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الْآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدَ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشَهَّدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ قَالَ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَدْبُرَنَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ اصْعَدْ الْمِنْبَرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً الشرح: قوله (هشام) هو ابن يوسف الصنعاني. قوله (إنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفى النبي صلى الله عليه وسلم) هذا الذي حكاه أنس أنه شاهده وسمعه كان بعد عقد البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعدة كما سبق بسطه وبيانه في " باب رجم الحبلي من الزنا " وذكر هناك أنه بايعه المهاجرون ثم الأنصار فكأنهم لما أنهوا الأمر هناك وحصلت المبايعة لأبي بكر جاءوا إلى المسجد النبوي فتشاغلوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر عمر لمن لم يحضر عقد البيعة في سقيفة بني ساعدة ما وقع هناك، ثم دعاهم إلى مبايعة أبي بكر فبايعه حينئذ من لم يكن حاضرا، وكل ذلك في يوم واحد، ولا يقدح فيه ما وقع في رواية عقيل عن ابن شهاب عند الإسماعيلي " أن عمر قال: أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة " لأنه يحمل على أن خطبته المذكورة كانت في اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك، وزاد في هذه الرواية " قلت لكم، أمس مقالة " وإنها لم تكن كما قلت والله ما وجدت الذي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن رجوت أن يعيش " إلخ. قوله (قال) يعني " عمر " (كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا) ضبطه ابن بطال وغيره بفتح أوله وسكون الدال وضم الموحدة، أي " يكون آخرنا " قال الخليل: دبرت الشيء دبرا أتبعته، ودبرني فلان: جاء خلفي. وقد فسره في الخبر بقوله " يريد بذلك أن يكون آخرهم " ووقع في رواية عقيل " ولكن رجوت أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبر أمرنا " وهو بتشديد الموحدة وعلى هذا فيقرأ الذي في الأصل كذلك، والمراد بقوله يدبرنا: يدبر أمرنا لكن وقع في رواية عقيل أيضا " حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا " وهذا كله قاله عمر معتذرا عما سبق منه حيث خطب قبل أبي بكر حين مات النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت " وقد سبق ذلك واضحا. قوله (فإن يك محمد صلى الله عليه وسلم قد مات) هو بقية كلام عمر، وزاد في رواية عقيل، فاختار الله لرسوله الذي يبقى على الذي عندكم. قوله (فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به بما هدى الله محمدا) يعني " القرآن " ووقع بيانه في رواية معمر عن الزهري في أوائل الاعتصام بلفظ " وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا كما هدى الله به رسوله صلى الله عليه وسلم " ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عند أبي نعيم في المستخرج " وهدى الله به محمدا فاعتصموا به تهتدوا فإنما هدى الله محمدا به " وفي رواية عقيل " قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدا صلى الله عليه وسلم فخذوا به تهتدوا". قوله (وأن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ) قال ابن التين قدم الصحبة لشرفها، ولما كان غيره قد يشاركه فيها عطف عليها ما انفرد به أبو بكر وهو كونه " ثاني اثنين " وهي أعظم فضائله التي استحق بها أن يكون الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال " وإنه أولى الناس بأموركم". قوله (فقوموا فبايعوه وكان طائفة إلخ) فيه إشارة إلى بيان السبب في هذه المبايعة، وإنه لأجل من لم يحضر في سقيفة بني ساعدة. قوله (وكانت بيعة العامة على المنبر) أي في اليوم المذكور، وهو صبيحة اليوم الذي بويع فيه في سقيفة بني ساعدة. قوله (قال الزهري عن أنس) هو موصول بالإسناد المذكور وقد أخرجه الإسماعيلي مختصرا من طريق عبد الرزاق عن معمر. قوله (سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذ اصعد المنبر) في رواية عبد الرزاق عن معمر عند الإسماعيلي " لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر إزعاجا " قوله (حتى صعد المنبر) في رواية الكشميهني " حتى أصعده المنبر " قال ابن التين: سبب إلحاح عمر في ذلك ليشاهد أبا بكر من عرفه ومن لم يعرفه، انتهى. وكان توقف أبي بكر في ذلك من تواضعه وخشيته. قوله (فبايعه الناس عامة) أي كانت البيعة الثانية أعم وأشهر وأكثر من المبايعة التي وقعت في سقيفة بني ساعدة. وقد تقدمت الإشارة إلى بيان ذلك عند شرح أصل بيعة أبي بكر من " كتاب الحدود" الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ الشرح: حديث جبير بن مطعم الذي فيه " إن لم تجديني، فأني أبا بكر " وقد تقدم شرحه في أول مناقب أبي بكر الصديق وسيأتي شيء مما يتعلق به في " كتاب الاعتصام". الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِوَفْدِ بُزَاخَةَ تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الْإِبِلِ حَتَّى يُرِيَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ الشرح: قوله (يحيى) هو القطان، وسفيان هو الثوري. قوله (عن أبي بكر قال لوفد بزاخة) أي أنه قال ولفظه " أنه " يحذفونها كثيرا من الخط، وقد وقع عند الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق قال: جاء وفد بزاخة فذكر القصة " وبزاخة " بضم الموحدة وتخفيف الزاي وبعد الألف خاء معجمة وقع في رواية ابن مهدي المذكورة من أسد وغطفان، ووقع في رواية أخرى ذكرها ابن بطال، وهم من طيئ وأسد قبيلة كبيرة ينسبون إلى أسد بن خزيمة بن مدركة وهم إخوة كنانة بن خزيمة أصل قريش وغطفان قبيلة كبيرة ينسبون إلى غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة بعدها فاء، ابن سعد بن قيس عيلان بن مضر، وطيىء بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف بعدها أخرى مهموزة وكان هؤلاء القبائل ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي، وكان قد ادعى النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأطاعوه لكونه منهم فقاتلهم خالد بن الوليد بعد أن فرغ من مسيلمة باليمامة، فلما غلب عليهم بعثوا وفدهم إلى أبي بكر، وقد ذكر قصتهم الطبري وغيره في أخبار الردة وما وقع من مقاتلة الصحابة لهم في خلافة أبي بكر الصديق، وذكر أبو عبيد البكري في " معجم الأماكن " أن بزاخة ماء لطيىء عن الأصمعي ولبني أسد عن أبي عمرو يعني الشيباني. وقال أبو عبيدة هي رملة من وراء النباج، انتهى. " والنباج " بنون وموحدة خفيفة ثم جيم موضع في طريق الحاج من البصرة. قوله (تتبعون أذناب الإبل إلخ) كذا ذكر البخاري هذه القطعة من الخبر مختصرة، وليس غرضه منها إلا قول أبي بكر خليفة نبيه، وقد تقدم التنبيه على ذلك في الحديث الثالث، وقد أوردها أبو بكر البرقاني في مستخرجه، وساقها الحميدي في الجمع بين الصحيحين، ولفظه الحديث الحادي عشر من أفراد البخاري عن طارق بن شهاب قال " جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح، فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية، قال: ننزع منكم الحلقة ولكراع ونغنم ما أصبنا منكم، وتردون علينا ما أصبتم منا وتدون لنا قتلانا، ويكون قتلاكم في النار، وتتركون أقواما يتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين أمرا يعذرونكم به، فعرض أبو بكر ما قال على القوم، فقام عمر فقال: قد رأيت رأيا وسنشير عليك، أما ما ذكرت - فذكر الحكمين الأولين - قال: فنعم ما ذكرت، وأما تدون قتلانا ويكون قتلاكم في النار، فإن قتلانا قاتلت على أمر الله، وأجورها على الله ليست لها ديات " قال: فتتابع القوم على ما قال عمر. قال الحميدي: اختصره البخاري فذكر طرفا منه وهو قوله لهم " يتبعون أذناب الإبل - إلى قوله - يعذرونكم به " وأخرجه بطوله البرقاني بالإسناد الذي أخرج البخاري ذلك القدر منه، انتهى ملخصا. وذكره ابن بطال من وجه آخر عن سفيان الثوري بهذا السند مطولا أيضا لكن قال فيه: " وفد بزاخة وهم من طيئ " وقال فيه " فخطب أبو بكر الناس " فذكر ما قالوا. وقال: والباقي سواء، " والجلية " بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مكسورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ومعناها: الخروج عن جميع المال. و " المخزية " بخاء معجمة وزاي بوزن التي قبلها: مأخوذة من الخزي، ومعناها: القرار على الذل والصغار، و " الحلقة " بفتح المهملة وسكون اللام بعدها قاف: السلاح، و " الكراع " بضم الكاف على الصحيح وبتخفيف الراء: جميع الخيل. وفائدة نزع ذلك منهم أن لا يبقى لهم شوكة ليأمن الناس من جهتهم، وقوله "ونغنم ما أصبنا منكم " أي يستمر ذلك لنا غنيمة نقسمها على الفريضة الشرعية ولا نرد عليكم من ذلك شيئا، وقوله "وتردون علينا ما أصبتم منا " أي ما انتهبتموه من عسكر المسلمين في حالة المحاربة، وقوله "تدون " بفتح المثناة وتخفيف الدال المضمومة: أي تحملون إلينا دياتهم، وقوله "قتلاكم في النار " أي لا ديات لهم في الدنيا لأنهم ماتوا على شركهم، فقتلوا بحق فلا دية لهم، وقوله و " تتركون " بضم أوله، " ويتبعون أذناب الإبل " أي في رعايتها لأنهم إذا نزعت منهم آلة الحرب رجعوا أعرابا في البوادي لا عيش لهم إلا ما يعود عليهم من منافع إبلهم، قال ابن بطال: كانوا ارتدوا ثم تابوا، فأوفدوا رسلهم إلى أبي بكر يعتذرون إليه فأحب أبو بكر أن لا يقضي بينهم إلا بعد المشاورة في أمرهم، فقال لهم: ارجعوا واتبعوا أذناب الإبل في الصحاري، انتهى. والذي يظهر أن المراد بالغاية التي أنظرهم إليها أن تظهر توبتهم وصلاحهم بحسن إسلامهم. الحديث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا فَقَالَ كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِي إِنَّهُ قَالَ كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ الشرح: قوله (حدثنا) في رواية كريمة " حدثني " بالإفراد. قوله (عن عبد الملك) في رواية سفيان بن عيينة " عند مسلم عن عبد الملك بن عمير". قوله (يكون اثنا عشر أميرا) في رواية سفيان بن عيينة المذكورة " لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا". قوله (فقال كلمة لم أسمعها) في رواية سفيان، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي. قوله (فقال أبي إنه قال كلهم من قريش) في رواية سفيان " فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كلهم من قريش " ووقع عند أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر ولفظه " لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثنى عشر خليفة قال: فكبر الناس وضجوا، فقال: كلمة خفية فقلت لأبي: يا أبة ما قال " فذكره، وأصله عند مسلم دون قوله " فكبر الناس وضجوا " ووقع عند الطبراني من وجه آخر في آخره: فالتفت فإذا أنا بعمر بن الخطاب وأبى في أناس فأثبتوا إلى الحديث، وأخرجه مسلم من طريق حصين بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة قال " دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة " وأخرجه من طريق سماك بن حرب عن جابر بن سمرة بلفظ " لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة " ومثله عنده من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة وزاد في رواية عنه " منيعا " وعرف بهذه الرواية معنى قوله في رواية سفيان " ماضيا " أي ماضيا أمر الحليفة فيه، ومعنى قوله " عزيزا " قويا ومنيعا بمعناه، ووقع في حديث أبي جحيفة عند البزار والطبراني نحو حديث جابر بن سمرة بلفظ " لا يزال أمر أمتي صالحا " وأخرجه أبو داود من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة نحوه قال: وزاد " فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا، ثم يكون ماذا؟ قال: الهرج " وأخرج البزار هذه الزيادة من وجه آخر فقال فيها " ثم رجع إلى منزله فأتيته فقلت: ثم يكون ماذا؟ قال الهرج " قال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحدا يقطع في هذا الحديث - يعني بشيء معين - فقوم قالوا يكونون بتوالي إمارتهم، وقوم قالوا يكونون في زمن واحد، كلهم يدعى الإمارة. قال والذي يغلب على الظن أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن، حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثنى عشر أميرا، قال: ولو أراد غير هذا لقال يكون اثنا عشر أميرا يفعلون كذا، فلما أعراهم من الخبر عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد انتهى، وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة، وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره، أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم وهو كون الإسلام عزيزا منيعا، وفي الرواية الأخرى صفة أخرى وهو أن كلهم يجتمع عليه الناس، كما وقع عند أبي داود فإنه أخرج هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة بلفظ " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة " وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة بلفظ " لا تضرهم عداوة من عاداهم " وقد لخص القاضي عياض ذلك فقال: توجه على هذا العدد سؤالان أحدهما أنه يعارض ظاهر قوله في حديث سفينة يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره " الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا " لأن الثلاثين سنة لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي. والثاني أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد، قال: والجواب عن الأول أنه أراد في حديث سفينة " خلافة النبوة " ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك. وعن الثاني أنه لم يقل " لا يلي إلا اثنا عشر " وإنما قال: يكون " اثنا عشر " وقد ولى هذا العدد ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم، قال: وهذا أن جعل اللفظ واقعا على كل من ولي، وإلا فيحتمل أن يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل، وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة، وقد قيل إنهم يكونون في زمن واحد يفترق الناس عليهم، وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة، ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج، قال ويعضد هذا التأويل قوله في حديث آخر في مسلم " ستكون خلفاء فيكثرون " قال: ويحتمل أن يكون المراد أن يكون " الاثنا عشر " في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة، ويؤيده قوله في بعض الطرق " كلهم تجتمع عليه الأمة " وهذا قد وجد فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم، وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر، قال: وقد يحتمل وجوها أخر، والله أعلم بمراد نبيه انتهى. والاحتمال الذي قبل هذا وهو اجتماع اثنى عشر في عصر واحد كلهم يطلب الخلافة هو الذي اختاره المهلب كما تقدم، وقد ذكرت وجه الرد عليه ولو لم يرد إلا قوله " كلهم يجتمع عليه الناس " فإن في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق، فلا يصح أن يكون المراد، ويؤيد ما وقع عند أبي داود ما أخرجه أحمد والبزار من حديث ابن مسعود بسند حسن " أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ " فقال: سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل " وقال ابن الجوزي: في " كشف المشكل " قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه وسألت عنه فلم أقع على المقصود به لأن ألفاظه مختلفة ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة، ثم وقع لي فيه شيء وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار إليه، ثم وجدت كلاما لأبي الحسين بن المنادي وكلاما لغيره، فأما الوجه الأول فإنه أشار إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه وأن حكم أصحابه مرتبط بحكمه. فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأنه أشار بذلك إلى عدد الخلفاء من بني أمية، وكأن قوله " لا يزال الدين - أي الولاية - إلى أن يلي اثنا عشر خليفة " ثم ينتقل إلى صفة أخرى أشد من الأولى، وأول بني أمية يزيد ابن معاوية وآخرهم مروان الحمار وعدتهم ثلاثة عشر، ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير، لكونهم صحابة فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته، أو لأنه كان متغلبا بعد أن اجتمع الناس على عبد الله ابن الزبير صحت العدة، وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتى استقرت دولة بني العباس فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيرا بينا، قال: ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود من حديث ابن مسعود رفعه " تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما " زاد الطبراني والخطابي فقالوا: سوى ما مضى؟ قال: نعم. قال الخطابي " رحى الإسلام " كناية عن الحرب شبهها بالرحى التي تطحن الحب لما يكون فيها من تلف الأرواح، والمراد بالدين في قوله " يقم لهم دينهم " الملك، قال فيشبه أن يكون إشارة إلى مدة بني أمية في الملك وانتقاله عنهم إلى بني العباس، فكان ما بين استقرار الملك لبني أمية وظهور الوهن فيه، نحو من سبعين سنة. قلت: لكن يعكر عليه أن من استقرار الملك لبني أمية عند اجتماع الناس على معاوية سنة إحدى وأربعين إلى أن زالت دولة بني أمية فقتل مروان بن محمد في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة أزيد من تسعين سنة، ثم نقل عن الخطيب أبي بكر البغدادي قوله " تدور رحى الإسلام " مثل يريد أن هذه المدة إذا انتهت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف بسببه على أهله الهلاك يقال للأمر إذا تغير واستحال: دارت رحاه، قال: وفي هذا إشارة إلى انتقاض مدة الخلافة، وقوله "يقم لهم دينهم " أي ملكهم وكان من وقت اجتماع الناس على معاوية إلى انتقاض ملك بني أمية نحوا من سبعين، قال ابن الجوزي: ويؤيد هذا التأويل ما أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه " إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن لؤي كان النقف والنقاف إلى يوم القيامة " انتهى، و " النقف " ظهر لي أنه بفتح النون وسكون القاف وهو كسر الهامة عن الدماغ، والنقاف بوزن فعال مثله وكني بذلك عن القتل والقتال، ويؤيده قوله في بعض طرق جابر بن سمرة " ثم يكون الهرج " وأما صاحب النهاية فضبطه بالثاء المثلثة بدل النون وفسره بالجد الشديد في الخصام، ولم أر في اللغة تفسيره بذلك بل معناه " الفطنة والحذق " ونحو ذلك وفي قوله " من بني كعب بن لؤي " إشارة إلى كونهم من قريش، لأن لؤيا هو ابن غالب بن فهر وفيهم جماع قريش، وقد يؤخذ منه أن غيرهم يكون من غير قريش، فتكون فيه إشارة إلى القحطاني المقدم ذكره في " كتاب الفتن " قال: وأما الوجه الثاني فقال أبو الحسين بن المنادي: في الجزء الذي جمعه في المهدي يحتمل في معنى حديث " يكون اثنا عشر خليفة " أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان فقد وجدت في " كتاب دانيال " إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر؛ ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكا؛ كل واحد منهم إمام مهدي، قال ابن المنادي وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس " المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب، ويصرف بعدله كل جور، ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا، ستة من ولد الحسن، وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم؛ ثم يموت فيفسد الزمان " وعن كعب الأحبار " يكون اثنا عشر مهديا، ثم ينزل روح الله، فيقتل الدجال " قال: والوجه الثالث أن المراد وجود اثنى عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم، ويؤيده ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر، أن أبا الجلد حدثه " أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد، يعيش أحدهما أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة " وعلى هذا فالمراد بقوله " ثم يكون الهرج " أي الفتن المؤذنة بقيام الساعة، من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج، إلى أن تنقضي الدنيا. انتهى كلام ابن الجوزي ملخصا بزيادات يسيرة. والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي عياض، فكأنه ما وقف عليه بدليل أن في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه، وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه، أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة " كلهم يجتمع عليه الناس " وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين، فسمي معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام، فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه، وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك، لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان " ولما مات يزيد ولى أخوه إبراهيم فغلبه مروان، ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل، ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح، ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه، ثم ولى أخوه المنصور فطالت مدته، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد، بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة، ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا يكون المراد بقوله " ثم يكون الهرج " يعني القتل الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام، وكذا كان والله المستعان. والوجه الذي ذكره ابن المنادي ليس بواضح، ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده رفعه " سيكون من بعدي خلفاء، ثم من بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ثم يؤمر القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه " فهذا يرد على ما نقله ابن المنادي من " كتاب دانيال " وأما ما ذكره عن أبي صالح فواه جدا، وكذا عن كعب وأما محاولة ابن الجوزي الجمع بين حديث " تدور رحى الإسلام " وحديث الباب ظاهر التكلف، والتفسير الذي فسره به الخطابي، ثم الخطيب بعيد، والذي يظهر أن المراد بقوله " تدور رحى الإسلام " أن تدوم على الاستقامة، وأن ابتداء ذلك من أول البعثة النبوية فيكون انتهاء المدة بقتل عمر في ذي الحجة سنة أربع وعشرين من الهجرة، فإذا انضم إلى ذلك اثنتا عشرة سنة وستة أشهر من المبعث في رمضان كانت المدة خمسا وثلاثين سنة وستة أشهر، فيكون ذلك جميع المدة النبوية ومدة الخليفتين بعده خاصة، ويؤيد حديث حذيفة الماضي قريبا الذي يشير إلى أن باب الأمن من الفتنة يكسر بقتل عمر، فيفتح باب الفتن وكان الأمر على ما ذكر، وأما قوله في بقية الحديث " فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن لم يقم لهم دينهم يقم سبعين سنة " فيكون المراد بذلك انقضاء أعمارهم، وتكون المدة سبعين سنة إذا حصل ابتداؤها من أول سنة ثلاثين عند انقضاء ست سنين من خلافة عثمان، فإن ابتداء الطعن فيه إلى أن آل الأمر إلى قتله كان بعد ست سنين مضت من خلافته، وعند انقضاء السبعين لم يبق من الصحابة أحد، فهذا الذي يظهر لي في معنى هذا الحديث، ولا تعرض قبله لما يتعلق باثني عشر خليفة، وعلى تقدير ذلك فالأولى أن يحمل قوله " يكون بعدي اثنا عشر خليفة " على حقيقة البعدية، فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسا، منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما: معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفسا على الولاء كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة، وتغيرت الأحوال بعده، وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون، ولا يقدح في ذلك قوله " يجتمع عليهم الناس " لأنه يحمل على الأكثر الأغلب، لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير مع صحة ولايتهما، والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن وبعد قتل ابن الزبير والله أعلم. وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك، فهو بالنسبة إلى الاستقامة نادر والله أعلم، وقد تكلم ابن حبان على معنى حديث " تدور رحى الإسلام " فقال: المراد بقوله تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين. انتقال أمر الخلافة إلى بني أمية، وذلك أن قيام معاوية عن علي بصفين حتى وقع التحكيم هو مبدأ مشاركة بني أمية؛ ثم استمر الأمر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة، فكان أول ما ظهرت دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة وساق ذلك بعبارة طويلة عليه فيها مؤاخذات كثيرة أولها: دعواه أن قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب الأخبار، فإنها كانت بعد وقعة صفين بعد أشهر وكانت سنة سبع وثلاثين والذي قدمته أولى بأن يحمل الحديث عليه، والله أعلم.
*3* وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ الشرح: قوله (باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة، وقد أخرج عمر أخت أبي بكر حين ناحت) تقدمت هذه الترجمة والأثر المعلق فيها والحديث في " كتاب الأشخاص " وقال فيه " المعاصي " بدل " أهل الريب " وساق الحديث من وجه آخر عن أبي هريرة وتقدم شرحه مستوفى في أوائل باب " صلاة الجماعة " وقوله في آخر الباب قال محمد بن يوسف. قال يونس، قال محمد بن سليمان، قال أبو عبد الله " مرماة ما بين ظلف الشاة من اللحم " مثل منساة وميضاة الميم مخفوضة وقد تقدم شرح " المرماتين " هناك ومحمد بن يوسف هذا هو الفربري راوي " الصحيح " عن البخاري، ويونس هو ابن صلى الله عليه وسلم 0 ومحمد بن سليمان هو أبو أحمد الفارسي راوي " التاريخ الكبير " عن البخاري، وقد نزل الفربري في هذا التفسير درجتين، فإنه أدخل بينه وبين شيخه البخاري رجلين، أحدهما عن الآخر وثبت هذا التفسير في رواية أبي ذر عن المستملي وحده وقوله " مثل منساة وميضاة " أما منساة بالوزن الذي ذكره بغير همز فهي قراءة أبي عمرو ونافع في قوله تعالى (تأكل منسأته) . وقال الشاعر: إذا دببت على المنساة من هرم * فقد تباعد عنك اللهو والغزل أنشده أبو عبيدة ثم قال: وبعضهم يهمزها فيقول: منسأته. قلت: وهي قواءة الباقين بهمزة مفتوحة إلا ابن ذكوان فسكن الهمزة، وفيها قراآت أخر في الشواذ، والمنساة: العصا اسم آلة من أنسا الشيء إذا أخره، وقوله الميم مخفوضة أي في كل المنساة والميضاة، وفي " الميضاة " اللغات المذكورة. *3* الشرح: قوله (باب هل للإمام أن يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه) في رواية أبي أحمد الجرجاني " المحبوس " بدل المجرمين، وكذا ذكر ابن التين والإسماعيلي وهو أوجه لأن المحبوس قد لا يتحقق عصيانه والأول يكون من عطف العام على الخاص، وهو المطابق لحديث الباب ظاهرا وذكر فيه طرفا من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن تبوك وتوبته وقد تقدم شرحها مستوفى في أواخر " كتاب المغازي " بحمد الله تعالى.
|